وهذه مقالة وصلتني من كاتبها الدكتور محمد أحمد وريث أحببت إضافتها إلى موقع البردوني لتعم الفائدة /      أحمد بن ناصر الرازحي

 

على أوتار الحروف

د. محمد أحمد وريّث

غلطة الشاطر بألف ؟!

أقيم عام 1971 في مدينة الموصل بالعراق مهرجان للشعر تخليداً لذكرى الشـاعر ( الذي هزم المنجمين وانتصر للسيوف اللوامع ) كما قيل عنه ( أبي تمام حبيب بن أوس الطائي ) وذلك في قصيدته في ( فتح عمورية ) التي مطلعها:
(
السيف أصدق أنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعبِ(
وقد شارك في المهرجان شاعر العروبة واليمن " عبدالله البردوني " الذي رحل منذ سنين قليلة خلت حيث لفت إليه الأنظار بل بهرها وشد الأسماع بقصيدته التي ألقاها فيه معارضة لقصيدة أبي تمام وإن أختلفت حركة حرف الرويّ الباء في القصيدتين ومطلعها : ( ما أصدق السيف إن لم يُنْضه الكذبُ وأكذب إن لم يصدُق الغضب
وكتبت عنها في حينها بعد أن قرأتها منشورة في الصحف والمجلات العربية التي تسابقت إلى الإشادة بشاعرية " عبدالله البردوني " الذي كان نجم ومفاجأة ذلك المهرجان الموصلي.
ومنذ عام 1981 نشرت عن " عبدالله البردوني " في صحافتنا مجموعة من المقالات تحت عنوان عام هو (مع شاعر من يمن لا شمالية ولا جنوبية ) ضمها فيما بعد كتابي" أعندكم نبأ ؟ " الصادر في طرابلس عام 1984 وقد قلت عنه (ص 56-57 من الكتاب) :
"
إنه شاعر مجدد في لغته وأخيلته وصوره وتوليداته البيانية وفي أفكاره أيضاً ، محافظٌ على كل الأصول الثرائية ، مستفيداً من خبرته اللغوية والعروضية ، مازجاً القديم بالحديث مختصراً المسافة بينهما ، وهي مسافة مفتعلة ومزعومة ، تقليدي في أشكال قصائده الخارجية وما هو بالتقليدي ، وقد تسير قصيدته على نسق واحد من القافية وقد تتنوع القوافي لديه وتتكاثر ولكنه في كلا الحالين يزيل عنك الملل ويشدك إلى آخر حرف في الكلمة الأخيرة التي توقف عندها " وفي العدد (587 ) للشهر الماضي من مجلة " العربي " الكويتية " ، كتب الأديب المصري "فاروق شوشة " في زاويته الشهرية " جمال العربية " مقالة مختصرة جداً
عن " عبدالله البردوني " عنوانها " البردوني و.. وردة من دم المتنبي " شغلتها في مجملها قصيدة مطولة له تبدأ بهذا البيت:
(
من تلظّى لموعُهُ كاد يعْميَ كاد من شهرةِ اسمه لا يُسِمَّى
وفيه توَهَّم الأديب " فاروق شوشة " أن كلمة " لموعهُ " وردت خطأ إذ قال في " هامش ص 166 من المجلة " ( هكذا جاءت في ديوانه " ترجمة رملية لأعراس الغبار " والكلمة غير موجودة في المعاجم المعروفة وربما كانت صحتها " دموعه " وهي الأقرب إلى المعنى والصورة الشعرية والحقيقة أن تحريف كلمة " لموعه " وتقريبها من " دموعه " تخميناً هو الأبعد عن المعنى والصورة الشعرية ) ، وأن " لموعه " كما كتبها شاعرها "عبدالله البردوني " هي الصواب والشطر الثاني من البيت فيه توضيح للصورة في الشطر ، ولعل "فاروق شوشة " لم يجشّم نفسه البحث عنها في المعاجم الأمهات مكتفيا بالمعاجم الحديثة المعروفة عنده الميالة عادة إلى الاختصار ، ولو عاد إلى " لسان العرب " مثلاً للعلامة " ابن منظور " لوجدها في السطر الأول من مادة " لمع " على هذا النحو: " لمع الشئ يلمع لمعاً ولمعاناً ولموعاً ولميعاً وتلماعاً كُلُّه : برق وأضاء والتمع مثله " واللموع في بيت الشاعر الكبير عبدالله البردوني وليس الدموع هو الذي يتوافق مع الفعل " تلظى " أي التهب ، وقال تعالى في الآية الرابعة عشرة من سورة " الليل " : ( فأنذرتكم نارّاً تلظّى ) أي تلتهب
وعلى كل حال هي غلطة من الأديب " فاروق شوشة " والتعبير الشعبي العربي يقول
"
غلطة الشاطر بألف " يضاف إليها أن مقالته العجلى هذه لا تكفي جزالة القصيدة التي تحتاج إلى الدراسة التحليلية لرموزها وإسقاطاتها التي قصد إليها الشاعر الكبير " عبد الله البردوني " في مثل قوله فيها:
(
الغرابات عنه قصَّت فصولاً كالتي أرَّختْ " جديسا وطسما"
فهو يتمثل بأسطورة قبيلتي " جديس وطسم " العربيتين القديمتين التي تغلبت فيها القبيلة الأولى على الثانية بعد أن قهرتها زمناً طويلاً ، وهذه الأسطورة تتشابه في جانب منها مع أسطورة " ملحمة جلجامش " الآشورية العراقية المشهورة وقد وردت " طسم " بخطأ مطبعي واضح هو تقديم الميم على السين في مقالة " فاروق شوشة " ( طمس ) وهو تحريف للاسم الصحيح زيادة على أنه مخالفة للقافية " الميم" .

لمراسلة صاحب الموقع اضغط 

alrazhi2@hotmal.com

الصفحة الرئيسية